نشرت صحيفة الدايلي ستار، تحقيقاً عن صابيرة عيتاني صيادة السمك الوحيدة في بيروت، التي كسرت الصورة النمطية للأرملة المكسورة الجناح، وقدّمت مثالاً عن القدرات الكامنة التي تتمتع بها مثيلاتها ولا يظهرنها إلا حين تتاح الفرصة لهن. صابيرة تركت المدرسة لتساعد أباها في مزرعته في الدالية بعد وفاة أمها، وتصيد السمك بعدما فقدت زوجها منذ 12 عاماً، حين حملت على كتفها شباكاً يزيد وزنها على 8 كيلوغرامات وطرحتها في الماء ذات صباح، لتطعم أطفالها الثلاثة.
ولدت صابيرة عام 1962، في الدالية، وسط عائلة تضمّ ثمانية أبناء، ارتادت المدرسة لكنها ما لبثت أن تركتها عام 1975 حين ماتت والدتها، وتفرّغت لمساعدة الأب والعمل قليلاً بالتطريز. ربّت الدواجن وباعت الحليب إلى أن تزوجت عام 1979 صياداً، أحبته وأحبها، وساعدته في عمله، وتعلّمت أصول مهنة الصيد التي لم تكن غريبة عن جوّها في الأساس. توفي زوجها إثر حادث محرك قارب سريع لم تعرف هوية سائقه حتى الآن، بعدها حملت صابيرة أقفاص السمك، ونزلت إلى البحر لتعويض أبنائها ما حرمت منه، فعلّمتهم إلى أن قرّروا بأنفسهم عدم دخول الجامعة
تتأرجح صابيرة طوال الوقت بين واقع فرض عليها الخشونة، وأنوثة اقتصرت تجلّياتها على إظهار حضور الذكر من أخ أو ابن في حياتها انصياعاً لتراث تربوي يفرض هذه الصيغة. فأخوها لا يفارقها حين تنزل البحر في الثانية بعد منتصف الليل لتقطف الحشيش وتضعه في الأقفاص، أو لتجول بقاربها وتفرد الشباك. أما في النهار، فهي تتحرك وحيدة، تصطاد السمك وتقود السيارة إلى منطقة الزهراني لتبيعه هناك، أو لتوزّعه على المحال وعلى بيوت الزبائن. اتّكلت على ابنتها لإدارة المنزل والطبخ والتنظيف، بينما اقتصرت علاقاتها بجاراتها على تحية المساء المقتضبة، فهي ليست مثلهن تماماً على رغم أنها لا تختلف عنهن كثيراً. هي "آخر" مقبول لكن مستهجن بعض الشيء، حيث فرضت عليها الظروف الاقتصادية كسر المحرّمات من ناحية الاستقلالية المادية، فخرقتها وأرفقت تحررها بسيجارة ظهرت إلى العلن بعدما كانت تدخّنها في السر. لكنها أهملت الأبواب الأخرى. في هذا الإطار، تصبح صابيرة نموذجاً حيّاً لقدرات النساء المكبوتة التي لا يعترف الذكور بها إلا عند الحاجة.
يذكر صيّادو مينا الدالية الطريقة المأساوية التي توفي بها عبد الله زوج صابيرة، والمصيبة المروّعة التي منيت بها. ويتكلّمون بفخر على تلك المرأة "الجبارة" التي عرفت كيف تقف على قدميها بعد الحادث الفظيع الذي غيّر حياتها، فصابيرة لم تكتفِ بالعمل معهم في المينا، بل أثبتت وجودها بتسهيل أمورهم أيضاً، يتصلون بها عندما تفيض غلّتهم البحرية فتتكفّل بتصريفها من خلال نقلها بسيارتها إلى منطقة الزهراني، فقد أضاف وجودها في المينا إلى وجودهم ولم ينحصر في حيّز الصورة الفولكلورية عن امرأة وحيدة بين رجال تجمعها بهم المهنة. وهي بدورها تذكرهم بالخير وتؤكد أنهم لم يجعلوها تشعر يوماً بأنها دخيلة أو منافسة لا تستحق أن تكون بينهم. (http://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2013/Oct-24/235570-beiruts-only-fisherwoman-finds-independence-heartbreak-at-sea.ashx#ixzz2idySQbYx">الدايلي ستار 24 تشرين الأول 2013)