نشرت صحيفتا الأخبار والنهار، يوم الإثنين الفائت، مقالين عن هجرة الشباب والشابات اللبنانيين/ات، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للشباب، الذي يحتفل به في 12 من آب في كل عام، وذلك في محاولة من الصحيفتين للإضاءة على تلك المشكلة المزمنة والمتفاقمة.
فقد اشارت صحيفة الأخبار إلى أن لبنان يشهد حالياً، معدل مرتفع جداً للهجرة يبلغ 52% في وسط الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و39 عاماً، (59% للذكور، مقابل 45% للإناث). وإنطلاقاً من ذلك يشير الوزير السابق شربل نحّاس، في حديثه مع "الأخبار"، إلى أنّ المجتمع اللبناني يتّجه ليصبح كالمجتمعات الخليجيّة، من حيث الإعتماد على يد عاملة أجنبيّة ظرفيّة، بينما يشهد، على نحو منتظم ومتراكم، تحوّلاً في بنيته الاقتصادية، يؤدي الى نمو المهن والقطاعات التي لا تحتاج إلى كفاءة عالية أو تجهيزات واستثمارات فنيّة كبيرة. كذلك خص نحاس النساء في حواره حيث أشار إلى تدني نسبة إنخراط المرأة اللبنانية في مجال العمل، على الرغم من أن نسبة الإناث في الجامعات أكبر من نسبة الذكور فيها، لافتاً إلى أنّه لا معنى من تعليم النساء ودفع تكاليف المدارس والجامعات لتذهب بعدها معظم النساء إلى حياة ربّات المنازل، مفسراً الموضوع أنّه ربما ما زالت المرأة تعتقد أنّها تتعلّم لتستثمر في أطفالها، أو لأجل الحصول على فرصة زواج أفضل.
كما لفت نحاس إلى عدم وجود تعداد للسكّان والمقيمين في لبنان منذ عام 1932، غياب الإحصاءات الرسميّة والموثوق بها، مشيراً إلى وجود ثلاث دراسات إحصائيّة بالعيّنة فقط، قامت بها إدارة الإحصاء المركزي؛ الأولى عن القوى العاملة عام 1970، والثانية عن القوى العاملة وميزانية الأسرة في عامي 1996 و1997، والثالثة والأخيرة نُشرت عام 2004، ومشدداً على ضرورة إعتماد تلك الإحصاءات الثلاثة في أي من مسائل الأوضاع الديموغرافية والعمل والأوضاع الاجتماعية وإنفاق الأسر والمداخيل في لبنان.
في السياق نفسه، افاد رياض طبارة، مدير مركز الدراسات والمشاريع الانمائية (مدما)، في حديثٍ له مع صحيفة "النهار"، انّ السبب الرئيس لهجرة اللبنانيين/ات، كما ظهر في الدراسات الميدانية، هو السعي وراء "العمل اللائق" بحسب تعريف منظمة العمل الدولية وبركائزه الثلاث: الأجر العادل، الديمومة، والحماية من الاستغلال.
واشار طبارة إلى دراسة لـ"جامعة القديس يوسف"، غطت السنوات الممتدة ما بين 1992 و2007 حول هجرة الشبيبة، بينت أنّ نسبة مرتفعة (43 بالمئة) من المهاجرين/ات الشباب (18-35 سنة) هم/ن من حملة الشهادات الجامعية، وان 37 في المئة منهم/ن من المتخصصين/ات في الهندسة، التكنولوجيا والعلوم و30 في المئة في الإدارة والخدمات و13 في المئة في حقل الطب. كما بينت الدراسة السابقة الذكر أنّ نسبة الجامعيين الشباب والشابات في المهجر هي أعلى من نسبتهم/ن بين المقيمين/ات وهي في تصاعد مستمر، مما يعني أنّ هجرة "الأدمغة والكفاءات" بين الشبيبة تفوق هجرة ألاقل علماً وتتزايد مع الوقت. ووضح طبارة ان العلاقة بين الهجرة والبطالة عكسية ، فبارتفاع النمو بعد حد معين (نحو 3 في المئة في لبنان) تنخفض البطالة وينخفض معها عدد المهاجرين/ات الساعين/ات وراء العمل في الخارج. كذلك لفت إلى اهمية التحويلات المصرفية للبنانيين/ات العاملين/ات في الخارج التي تبلغ معدلاً نحو 7,5 مليارات دولار سنوياً، وفقاً لإستطلاعات مدما، اي ما يوازي نحو 19 في المئة من مجموع الناتج الداخلي اللبناني، مما يساهم بحد كبير في نمو الاقتصاد اللبناني عموماً وفي دعم ميزان المدفوعات وثبات العملة اللبنانية خصوصاً. وفي الختام حدد طبارة في مقابلته خمس عوامل اساسية يجب أخذها بالإعتبار لدى مناقشة مشكلة هجرة الشبيبة، وهي:
أولاً: تحويلات اللبنانيين/ات في الخارج الى لبنان التي تشكل الى حد كبير شبكة أمان لمنظومة الاقتصاد الوطني.
ثانياً: هجرة الشباب/ات الذين واللواتي يعانون/ين من مستويات مرتفعة من البطالة، والتي بحسبه تحد فعليا من ارتفاع مستوياتها داخلياً وتعطي لفئة ثانية من الشبيبة فرصة الحصول داخلياً على "العمل اللائق" الذي يتناسب مع تطلعاتهم/ن.
ثالثاً: دور الاغتراب اللبناني في دعم لبنان اقتصادياً، ثقافيا وفكريا، وسياسياً
رابعاً: الهجرة التي تتركز بشكل كبير على المتعلمين/ات وأصحاب وصاحبات الكفاءات، والي تمثل، مبدئياً على الأقل، اهداراً كبيراً في الموارد الاقتصادية.
خامساً: الهجرة المكثفة تنتج خللاً اجتماعياً له تداعيات سلبية، فالهجرة التي تركزت في الماضي على فئة الذكور من الشبيبة في أعمار الزواج، ادت الى تضاعف مستويات العزوبة بين النساء، كما نتجت منها هجرة متصاعدة للشابات المتعلمات العازبات. هذه الهجرة الشبابية الكبيرة تركت وراءها الكثير من كبار السن المفتقدين لخدمات الرعاية الأسرية، ممّا زاد من حجم الطلب على خدمات مآوي المسنين بما يتعدى قدرة المؤسسات العاملة حالياً في هذا المجال. (الأخبار، النهار 12 آب 2013)