نشرت صحيفة "الأخبار" تحقيقاً عن الممارسات الذكورية التي تتعرض لها النساء في مكان العمل حيث لا تقتصر هذه الممارسات على التحرش، بل تمتدّ إلى تفاصيل مهنتهنّ، ما يجعلهنّ موضع استغلال في صورة تختصر بالآتي: "بدّك تشتغلي تلقّي!". وتعبّر عن هذا "التلقّي" لائحة تضمّ في ما تضمّه خضوعهنّ لمن يرى في وجودهنّ منافسة له، أو تحدياً لرجولته، وبين زميل ينصح زميلته بأن وجودها مع رضيعها أجدى لها، وآخر يقوّم "كفاءاتها" تبعاً لمواصفاتها الخارجيّة، وثالث يردّ على انفعالها بعبارة "الظاهر هرموناتك عم تلعب"... تتعدّد المواقف التي تكشف "الذكورة" في صورها العمليّة.
وينقل التحقيق عن حالات لنساء مثل دينا (31 سنة) التي طلبت ترقية بعد سنوات من الكد وجاء رد مديرها: "نتفاوض في هذا الشأن، شرط نسيانك أمر الإنجاب ثانيةً"، فيما تروي علياء (35 سنة) أن مديرها ذكوري النزعة، يتعامل مع نوعين من العاملات: نوع عملي، يرمي المهمات عليه حتى يصحّ وصف من تندرج تحته بـ«حمارة شغل»، ونوع لعوب يقبل بتحرّشه لغاية الوصول، مضيفةً أن الطبع السيئ للرجل ليس موضع استهجان في العمل، لكن مثل هكذا تصرف يصبح عرضة للتأويل في حال المرأة: هي كذا لأنها تأخرت في سنّ الزواج أو تعاني خلافات مع زوجها أو حتى "جايتها". ولا تتمحور هذه المعاناة حول رئيس ذكر ومرؤوسة أنثى، بل قد تشمل النساء ممن نجحن في تحقيق مراتب متقدّمة في الوظيفة، كما في حال غوى (30 سنة) التي توضح أن تعيينها مسؤولة عن فريق عمل مؤلف من 17 موظّفاً، جلّهم من الذكور، لم يمرّ على خير. ولدى البحث عن مؤشرات الذكورة في قطاع المحاماة، تردّدت شكاوى عدة، أبرزها فرز الإناث للمهمات المكتبيّة، مقابل خروج الذكور إلى فضاء أرحب في الأمكنة التي يعمل فيها الجنسان.
وإسترشد التحقيق بمداخلة للأستاذة في علم النفس الاجتماعي والباحثة د. عزة شرارة بيضون تقول فيها ان وجود الإناث في المجالات العامة يثير لدى بعض الرجال، الذين لم يتخلصوا من التمثّلات الطفولية لذكورتهم الإقصائية، قلقاً، لأنه يتحدّى هويتهم الجندرية – أي يقينهم بأنهم ذكور. فحين تعمل المرأة في مهنة شبيهة بمهنة الرجل، وفي مكان العمل نفسه، تكون بنظر الذكورة الاستبعادية/ الإقصائية قد تجاوزت أدوارها وتعدّت على أدوار الرجل، لتنفي بذلك دونيتها المفترضة، ولتذكّر الرجل/ الذكر الطفولي (الذي يتمثّل ذكورته بأنها عكس الأنوثة الخفيضة والأقلّ شأناً) بأنه ليس ذا شأن عال. ووتضيف بيضون ان التحرّش الجنسي والإساءة التي تتعرّض لها المرأة في مكان العمل من قبل بعض الرجال ما هما إلا محاولة لإعادة المرأة إلى الحجم الذي يفترضه هؤلاء لها: أي باختزالها إلى كينونتها الطبيعية وإلى بيولوجيتها أي كونها فقط أنثى بأدوارها الإنجابية الطبيعية . (الأخبار 2 شباط 2013)