أطلقت لجنة الامم المتحدة الاقتصادية لغرب آسيا "الاسكوا"، يوم الأول من أمس في تونس، تقريرا بعنوان "التكامل العربي: سبيلا لنهضة انسانية"، يوفر رؤية استراتيجية للتكامل العربي، وضعته مجموعة من المفكرين/ والاستشاريين/ والخبراء/ات، العرب والأجانب، أكّدوا/ن فيه أن مقومات التكامل العربي لا تتحقق في دول مجزأة،، معتبرين/ات أن العمل العربي المشترك هو حماية للمصلحة العامة وضمانة للسيادة الوطنية.
يتضمن التقرير حصيلة جولات على محطات مرت بها "مسيرة التكامل العربي" في الاقتصاد، والسياسة، والمجتمع والثقافة، والتضامن الشعبي، عارضا في البداية واقع العالم العربي على صعيد مقومات التكامل في المنطقة، حيث أظهرت نتائج تحاليل علمية دقيقة، على سبيل المثال، أن إجراءات بسيطة كخفض كلفة النقل وزيادة اليد العاملة المتبادلة بين الدول العربية يمكن ان يرفع الناتج الاجمالي العربي بأكثر من 750 مليار دولار خلال سنوات قليلة، وسيوفر أكثر من ستة ملايين فرصة عمل جديدة. كما أكّد التقرير على معاناة الشعوب العربية مع الفقر، وتفشّي البطالة وسوء التغذية، وإنتشار الفساد والظلم الاجتماعي، حيث يعتبر خُمس العرب في دائرة الفقر، في حين بات ربع شبيبة العالم العربي اليوم وخُمس نسائه عاطلين/ات عن العمل، فيما ينتشر سوء التغذية حتى أصبح يطاول خمسين مليون عربي. في الوقت عينه، افاد التقرير أن بعض الشعوب العربية سبقت حكوماتها، مشيراً الى أن العمل الشعبي العربي حقق إنجازات في التعاون العربي فاقت في أهميتها الكثير من المبادرات التي قامت بها مؤسسات العمل العربي المشترك الرسمية، خصوصاً على صعيد تكوين الشبكات العربية، التي تجاوزت القيود الرسمية المفروضة على حق في حرية التنظيم في غالبية البلدان العربية، وذلك بالاعتماد على وسائل الاتصال الحديثة.
ويلفت التقرير أيضاً إلى أن حلم الوحدة الاقتصادية لا يُترجم على أرض الواقع سوى بإتفاقية تيسير التبادل التجاري بين اقتصادات "لا تنتج الكثير"، وُضعت في خدمة انتقال رؤوس الأموال في نشاط غالباً ما يتوخى الربح السهل والسريع، في حين بقيت العراقيل تعترض مسيرة إنشاء سوق عمل عربية واحدة، وتحول دون تنفيذ الاتفاقات القائمة بين الدول العربية.
في هذا السياق يعرض التقرير تعريفاً لمفهوم "النهضة الانسانية"، مشيراً إلى ثلاث ركائز أساسية يجب إعتمادها، وهي: صون الحرية والكرامة الانسانية للجميع، انشاء بنية انتاجية متنوعة، وإحياء الثقافة الابداعية، مقترحاً مجموعة من التوجهات الاستراتيجية للتكامل الداعم للنهضة العربية، ترتكز على ثلاثة اركان أيضاً، وهي: تعاون سياسي يدعم اقامة الحكم الديموقراطي الصالح؛ تعميق التكامل الاقتصادي باستكمال تنفيذ الاتفاقات القائمة واعادة الاعتبار لمشروع الوحدة الاقتصادية، الاصلاح الثقافي والتربوي الذي يكوّن اشخاصاً مبدعين/ات قادرين/ات على بناء مجتمعات المعرفة.
في مداخلته خلال حفل الإطلاق، أشار رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي، الى أن العوامل الرئيسة التي لعبت دوراً في تعطيل محركات التكامل العربي هي أولا احتلال فلسطين ونشوء دولة إسرائيل، ثانيا الاستبداد الذي يعيق التنمية، ثالثاً انتشار التطرف، الذي اتخذ، برأيه، أشكالاً متعددة، راسيا على التطرف الديني، الذي نما نتيجة لانعدام الحرية وإستفحال الفقر والبطالة وسوء التعليم والانتقائية في تطبيق مفهوم العدالة. واخيراً، اعتبر ميقاتي أن لبنان، هو الأشد حاجة لإعطاء معنى للتكامل العربي داعياً للتضامن معه. (النهار، السفير، الحياة 26 شباط 2014)