ظل عمل المحاكم الشرعية والروحية في لبنان مطولا خارج نطاق النقاش العام أو حتى النقاش العلمي. فمن ناحية أولى تشكل هذه المحاكم بالنسبة للكثير من العلمانيين ظاهرة رجعية كُحتِم من خلالها مجموعة من رجال الدين سيطرتها على النساء والعائلات، فيتمثل التعاطي الوحيد الملائم معها في إلغائها حالما تسمح الظروف السياسية بذلك لتحل محلها محاكم مدنية قضاتها رجال ونساء تدير مسائل العائلات اللبنانية حسب قواعد اتفاقيات حقوق الإنسان والمرأة والطفل وأحدث نتائج العلوم الاجتماعية والنفسية. أما بالنسبة للكثير من رجال الدين ومناصريهم من الناحية الأخرى، فتظهر هذه المحاكم مظهر المؤسسة المقدسة لا بل تشكل حقا مقدسا للطوائف على اختلافها، فيصبح أي نقاش حول فعاليتها أو عملها أو احترامها لحقوق الأفراد بمثابة تعدّ واضح ومرفوض على قواعد دينية حينا أو على صلاحيات تاريخية لتلك الطوائف حينا آخر)وتكاد الصلاحيات أحيانا تكون أكثر قدسية من مضمون القواعد.) والعامل المشترك بين هذين الموقفين المتناقضين في الظاهر هو إدراج هذه المحاكم خارج التاريخ القضائي-الاجتماعي في لبنان، فيرمى على أساسهما أي اختلاف فكري خارج النطاق، فلا لزوم للنقاش حول ما هو رجعي انطلاقا من أنه مؤقت محكوم بالزوال) أي من زمن آخر) كما لا محل للنقاش حول ما هو مقدس بحيث أنه بطبيعته دائم غير قابل لأي تعديل (أي خارج الزمن).