نشرت صحيفة الأخبار، الأسبوع الفائت، تحقيقاً حول القطاع الزراعي في لبنان مبرزة تحدياته الكثيرة واهمها ارتفاع تكاليف الإنتاج، استغلال التجار للمزارعين، الاتفاقيات التجارية المضرّة بالزراعة المحلية. كذلك تطرق التحقيق إلى مسألة الأمن الغذائي التي يجب أن تعطى لها الأولوية المطلقة، بحسب وزير الزراعة السابق حسين الحاج حسن، الذي عرف الأمن الغذائي بـ"حق كل إنسان في الحصول على الغذاء السليم بكميات مناسبة، ضمن إمكاناته المالية"، مؤكداً أن "لا أمن غذائي" في لبنان. وأضاف الحاج حسن قائلاً أن التحدي الأكبر يكمن في القدرة على استغلال الثروات الطبييعية، اذ أن من 1.1 مليون هكتار، هي المساحة القابلة للزراعة في لبنان، يبلغ اجمالي مساحة الأراضي الجاهزة للزراعة 360 ألف هكتار فقط، فيما لا تتعدى المساحة المزروعة فعلاً 280 ألف هكتار، والمروي منها 32% فقط.
وافاد التحقيق أن صغر حجم الحيازات الزراعية يمثّل مشكلة أساسية للقطاع، بحسب بسام همدر، الخبير في الشأن الزراعي ورئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا، إذ يوجد في لبنان نحو 195 ألف حيازة زراعية، أكثر من 50% منها تقل مساحتها عن 5 دونمات (1 دونم =1000 متر مربع)، في حين تصل مساحة حوالى 13% منها إلى 20 دونما او ما يتجاوزهاً. ويضيف الخبير قائلاً ان صغر الحيازات يعيق مكننة العمل الزراعي، فلا تتعدى الإنتاجية الزراعية لدينا 25% من إنتاجية الاتحاد الأوروبي و50% من إنتاجية الدول العربية الاخرى، للمحاصيل نفسها.
وفي معرض تحليله للاسباب، يقول همدر أن قطاع الزراعة مهمّش سياسياً منذ استقلال لبنان، اذ لا تتعدى حصته من الناتج المحلي حالياً 5%، فيما يعمل في القطاع نحو 6% من القوى العاملة، 70% منها مرغمة على العمل في نشاطات اقتصادية أخرى، لأن مردود الزراعة لا يكفي لتأمين الحاجات المعيشية الأساسية، مضيفاً أن 60% من المزارعين ينتجون للسوق، و40% ينتجون لاستهلاكهم الخاص. وإعتبر همدر ان تكاليف الإنتاج الزراعي المرتفعة تشكّل أحد أهم أسباب الاختلال الكبير في ميزان الأمن الغذائي، إلى جانب الاحتكارات التجارية التي تؤدي بدورها الى ارتفاع اسعار مدخلات الإنتاج كافة. اما في مجال تسويق الإنتاج الزراعي، فالمشكلة الأساسية تكمن في ان معظم الأرباح يذهب إلى العملاء والتجار، فيما لا يبقى، بحسب همدر، للمزارع سوى الحصة الأصغر من قيمة السلعة الزراعية، أي بحدود 20% فقط.
وفي مجال الحلول، اقترح همدر أن تنشئ الدولة مصرفاً مختصاً بالتسليف الزراعي يشارك في رأسماله القطاعين العام والخاص لتلبية حاجات المزارعين من القروض طويلة الأجل وبفوائد متدنية. وفي هذا الخصوص، اشار إلى محاوات سابقة لوزارة الزراعة لتوفير ذلك عبر التعاون مع المصرف المركزي وجمعية المصارف، لكن أقصى المستطاع كان توفير قروضاً مدعومة "ببضع نقاط" على الفائدة وذلك من خلال برنامج "كفالات". كذلك إقترح الخبير توفير رزمة حوافز، كأسعار مدعومة للكهرباء والمياه، وإعفاءات ضريبية للسنوات الخمس الأولى من بدء اي مشروع زراعي.
من جهته، حمّل الوزير الحاج حسن مسؤولية سوء حال القطاع لـ"السياسات الاقتصادية التي وُضعت في لبنان طيلة العشرين أو الثلاثين سنة" الماضية، وخصّ بالذكر فتح الأسواق المحلية امام السلع الاجنبية تنفيذاً لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية والسوق العربية الحرة، مشيراً إلى أن الوزارة لا تستطيع النهوض بالقطاع بمفردها، وداعيا إلى سياسة حكومية منسقة بين مختلف الوزارات، وبالتكامل مع دول الجوار.
وحول الموضوع نفسه، رأى رئيس "جمعية المزارعين اللبنانيين"، انطوان الحويك، أن لا نهوض للقطاع الزراعي بغير تبني عدة خطوات منها: إنشاء "المصرف الوطني للإنماء الزراعي"، تجديد الرزنامة الزراعية واتخاذ إجراءات لحماية الإنتاج المحلي، إنشاء مؤسسة وطنية للتأمين على المخاطر في القطاع الزراعي، فصل غرف الزراعة عن غرف التجارة والصناعة، وإنشاء سجل زراعي. وذكّر الحويك ان كل الأحزاب السياسية وقعت على توصيات مماثلة صدرت عن المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، الذي أقامته مفوضية الاتحاد الاوروبي في لبنان في شباط 2009، كما ذكّر بأن الحكومة رفضت في السابق مشروع انشاء المصرف الزراعي بضغط من تكتلات أصحاب المصالح التجارية والريعية، ليُصار بنتيجة ذلك إلى استبدال ذلك المشروع ببروتوكول تعاون بين وزارة الزراعة وفرنسبنك أولاً، ثم بين الوزارة وجمعية المصارف، تتوسط بموجبه الوزارة بين المزارع طالب القرض، والمصارف التجارية. (الأخبار 15 شباط 2014)